تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أنور عبد اللطيف > ‎"أمشير"  إفريقى فى "نار" أغسطس!

‎"أمشير"  إفريقى فى "نار" أغسطس!

‎كأننى أفقت من حلم، أصابنى الانبهار المصحوب بالاندهاش حين تراجعت اخبار الحرب والدمار والقتلى ومآسى المشردين القادمة من السودان وتقدمت اخبار التحركات والمبادرات والمحايلات ورفض الحرب على النيجر، وصار خبر الفضائيات الاول فى صباح السبت الماضى حول انقلاب النيجر واحتجاز الرئيس المنتخب، ومبادرات الحل، وفى الظهيرة نشطت التحركات والاجتماعات لرؤساء الاركان فى جيوش دول "الأكواس" بتشجيع من فرنسا لتوجيه ضربة عسكرية  للنيجر لإجبار قادة الانقلاب على احترام الدستور وإعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم إلى السلطة!
 
‎وفى المساء انتبه الافارقة لمعلوب دعاة الحرب وانهم اداة لفتح جبهة روسية على ارض افريقية، ورفض معظم دول الاكواس الحل العسكرى وحملت الاخبار تراجع غينيا ونيجيريا عن الحرب  وفتح الباب لوساطات مدنية، وتحركت طائرات فى مطارات بوركينا فاسو ومالى لمساندة النيجر واعتبار ما يجرى فيها شأنا داخليا، وتراجع  إصرار طلاب الحرب فى البيت الابيض وباريس من حتما ولابد وقسما عظما لـ  "تنزل المرادى" على طريقة الفنان عبدالفتاح القصرى ، وتراجع الهدف من ابادة الانقلاب الى الحفاظ على حياة الرئيس المحتجز بازوم واعادة الوضع الدستورى للبلاد فى اقرب وقت، وتمكين السفيرة الامريكية التي وصلت البلاد دون تاشيرة من اعتماد اوراقها أمام قيادة معتبرة!  

‎وفى محاولة لفهم تقلبات الجو الأمشيرى فى نار اغسطس وجدت ان كلمة الاكواس هى الحروف الاولى من الاسم الانجليزى لـ (المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا)، وهى منظمة سياسية واتحاد اقتصادى يتكون من ١٥ دولة، وتضُم  ٣٩٠ مليون نسمة وتأسست فى 25 مايو 1975،

ونظرا لعدم وجود لغة افريقية واحدة بسبب عمليات اضعاف اللهجات واللغات المحلية فى كل دولة عبر قرون من النهب الاستعمارى والتخريب الثقافى فإن اللغات الرسمية للمنظمة هى لغات المستعمرين الابرز للقارة السوداء، الإنجليزية والفرنسية والبرتغالية،

وأخطر مافى اللغات الاجنبية ان كل مجموعة لغوية فى دول المنظمة كانت تحركها المصالح التى مازالت تربطها بالدولة الاستعمارية القديمة رغم الاستقلال، فمجموعة اللغة الفرنسية شكلوا اتحادا يدين لفرنسا وانعكس على حجم التبادل والتسهيلات الجمركية والمواقف فتكون اتحاد الدول الفرانكوفونية وهى حكومات بنين وبوركينا فاسو وكوت ديفوار ومالى والنيجر والسنغال وتوجو، اما مجموعة الدول التى كانت خاضعة للمستعمر الانجليزى فهم اعضاء بالوراثة فى مجموعة دول الكومنولث التى كانت تحت التاج البريطانى وهى المنطقة النقدية لغرب إفريقيا تضم غانا وغينيا ونيجيريا وجامبيا وسيراليون باستثناء موريتانيا التى اختارت العربية، ولم يعد يربطهم بعد حركات التحرر وهزيمة بريطانيا فى السويس عام ١٩٥٦ الا تاريخ المعاناة والاستغلال المشترك واوهام الامبراطورية البريطانية ودورة ألعاب الكومنولث! 

‎وليست هذه هى المرة الاولى التى  تتدخل فيها منظمة الاكواس عسكريا لفرض ارادتها فقد سبق ان تدخلت المجموعة بضغط ودعم فرنسا لإنقاذ او توسيع الحكم الفرانكوفونى فى عدة دول هى ساحل العاج فى عام 2003، وليبيريا فى عام 2003، وغينيا بيساو فى عام 2012، ومالى فى عام 2013، وغامبيا فى عام 2017.!
‎لكن مارأيته ظهر السبت الماضى هى المرة الاولى التى تنتفض الدول الإفريقية على النفوذ الاستعمارى القديم وفتنة فرق تسد بكل اشكالها ولغاتها الفرنسية والانجليزية والامريكية فعبرت مواقف نيجيريا ومالى وبوركينا فاسو وغينيا والنيجر عن رفضهم ان يكونوا ادوات فى حرب ودمار على دولة مجاورة تحت عباءة الديمقراطية والمصالح الغربية لمجرد انها طبقت "الاسلوب الافريقى" فى مكافحة الفساد وتداول السلطة ضد النظام الذى ربط مصالحه ووجود دولته بقوى خارجية!

‎أتمنى ألا تقع الاكواس فى التعامل مع ازمة النيجر كما وقع الاتحاد الإفريقى فى فخ السودان، حين تركوا الازمة من بدايتها وتم منح الطرفين هدنات باليومين والثلاثة والاسبوع لمدة ثلاث شهور فبدا هدف الهدنات والمفاضات تثبيت اقدام المنشقين علي الجيش السوداني ومنح قوات الدعم
‎ السريع  الوقت لتنظيم صفوفها، وكانت النتيجة ارباك وتشتيت اولويات ،  وحكومته الانتقالية التى فرضتها الشرعية الثورية بعد ان اجرت المصالحات الدولية والاتفاقات واقامت العلاقات مع اسرائيل على امل المساندة السياسية وجذب الاستثمارات واسقاط العقوبات وتهمة مساندة الارهاب، 

‎وحينما انتبهت مصر ودول الجوار والجامعة العربية الى اهمية وحدة مؤسسات الدولة السودانية ودعم الجيش السودانى ووقف شلال تصدير الازمات والنازحين واللاجئين الى دول الجوار كانت الاوضاع قد تعقدت فى الخرطوم والخريطة انفرطت فى دارفور! 

‎اما فى حالة النيجر فلعلهم ادركوا ان كل الحكومات الاعضاء فى الاكواس والاتحاد الافريقى جاءت بنفس اسلوب النيجر فحملت ختم العمليات الانقلابية، في بدايتها بعضها قضى نحبه والاخرون انتظروا وانتبهوا لتنمية بلادهم واستثمار خيراته من منطلق ان القيادة مسئولية تجاه شعبه وليس تجاه المستعمر القديم الحديث، وزاد الاصرار الافريقي على انه لابد ان يعود ذهب غينيا وخشب الكونغو وبترول الجابون ويورانيوم النيجر وكوبالت وحديد وكاكاو وكل ثروات ومعادن دول القارة لاهلها!
‎فهل يكون ما شاهدته السبت الماضى بداية لذهاب السكرة وعودة الوعى والفكرة وتفتح حرارة الجو واضطراب الاحداث فى البر والبحر طاقة لعالم أكثر عدالة لإفريقيا وتنعم دولها باستقلال حقيقى وتتحمل ضريبة بناء مستقبل افضل لأجيالها القادمة؟
‎اللهم اجعله خير!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية